بقلم المهندس/ طارق بدراوى
حي شبرا ويسمى أيضا شبرا مصرهو أكبر أحياء القاهرة عاصمة مصر سكانا ويقع في منطقة شمال القاهرة ولم تكن شبرا في الأصل جزء من القاهرة كما هو حالها اليوم حيث أصبحت في قلب القاهرة تزخر بالحياة والناس بل كانت مجرد ضاحية أنشأها محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة عام 1809م ويرتبط الحي حاليا بشكل خاص بأن معظم سكانه من الطبقة الوسطى رغم نشأته في البداية على أيدي الأثرياء كما يوجد في حي شبرا نسبة عالية من الأقباط المسيحيين المصريين وفي الأصل كانت شبرا عبارة عن جزيرة في وسط النيل إسمها جزيرة الفيل ثم بفعل تراكم الطمي في نهر النيل إتصلت الجزيرة بالأرض لتصبح هي أرض شبرا الحديثة وروض الفرج وقد ورد ذكر شبرا لأول مرة في تقويم النيل في الجزء الأول ص229 حيث ذكر أنه في عام 882م عندما أوفى النيل بفيضانه في أواخر شهر أبيب وكسر السد أول يوم من شهر مسري وكان للناس مدة طويلة لم يروا قبلا مثل هذا لأنه قطع الطرقات والجسور وغرقت أراضي المنية وشبرا والروضة وطريق مصر وبولاق وجزيرة الفيل وكوم الريش وتذكر كتب التاريخ أن جزءاً كبيرا من حي شبرا كان ضمن بستان الجيوش الذي أنشأه الأفضل إبن أمير الجيوش بدر الدين الجمالي وكان يمتد شمالا شرقي الخليج المصري حتى الوايلي وغربا حتى منية السيرج وهي الجزء الشمالي الشرقي من حي شبرا الآن وقد يكون هذا هو السبب في تسمية المنطقة بإسم شبرا حيث أن كلمة شبرا تعني باللغة القبطية القديمة العزبة أو القرية أو البستان …..
وقد نشأ حي شبرا الكائن الآن في شمال القاهرة مع تأسيس محمد علي باشا مصر الحديثة وإرتبط بالطبقة الوسطي كما أسلفنا القول في شهر يناير عام 1809م حيث إختار محمد على باشا موقعا على شاطئ النيل في منطقة شبرا مساحته 50 فدانا في متسع من الأرض يمتد إلى بركة الحاج وإستولي فيه على عدة قرى وإقطاعيات وبدأ بناء قصره بالمنطقة الواقعة في بداية منطقة شبرا الخيمة حاليا شمال فم ترعة الإسماعيلية والتي لم تكن قد تم حفرها حينذاك حيث تم حفرها في عهد حفيده الخديوى إسماعيل وكان هدفه من بناء هذا القصر أن يكون مكانا يقصده لكي تهدأ أعصابه ويجدد نشاطه ويستريح فيه من أعباء ومسؤوليات الحكم وقد أشرف علي البناء المهندس ذو الفقار كتخدا الذى كان يستعين به محمد علي في تشييد عمائره ومنشآته الفخمة مثل قصر الجوهرة بالقلعة وخلافه وجاء طراز عمارة القصر علي نمط جديد لم يعرف في مصر سابقا حيث ساعدت المساحة الكبيرة لموقع القصر علي إختيار طراز معمارى كان منتشرا علي شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة في تركيا في ذلك الوقت وهو المسمى بطراز قصور الحدائق والذى يعتمد على وجود حديقة شاسعة لها أسوار ضخمة تتخللها أبواب قليلة العدد وتتوزع في الحديقة عدة مباني كل منها يحمل صفات وعناصر معمارية وفنية خاصة به ولكن في تناسق وتناغم وتنسيق بديع وقام محمد علي باشا أيضا بغرس البساتين والأشجار في حدائق قصره وفى عام 1812م أنشا محمد على عددا من السواقى لتوفير المياه للقصر والحدائق ووجد محمد علي أن الطريق المؤدي الى القصر من القاهرة يصلح لإنشاء مدينة جديدة فبدأ في شق شارع شبرا عام 1808م والذى عرف حينذاك بإسم جسر شبرا ليكون نواة لإنشاء مدينة شبرا التي عرفت وقتها بإسم شبرا مصر وتم غرس أشجار اللبخ والجميز علي جانبي الطريق وبعد أن ظلت منطقة شبرا مجرد منطقة زراعية وبساتين فلما تم شق جسر شبرا كان ذلك إيذانا بدخول هذه المنطقة نطاق العمران فأقبل الأمراء على بناء القصور الفاخرة فيها وكان قصر محمد سعيد باشا إبن محمد علي باشا ووالي مصر بين عام 1854م وعام 1863م والذى عرف بإسم قصر النزهة أحد أهم القصور التي شيدت في مدينة شبرا فقد شيده عام 1858 على الشارع الرئيسي وتحول فيما بعد الى المدرسة التوفيقية الثانوية كما قام الأمير عمرطوسون باشا إبن محمد سعيد باشا بتشييد سراى أخرى بالمنطقة وهي السراي التي أنشئت عام 1869م على أفخم طراز معماري وتشغلها الآن مدرسة شبرا الثانوية وقد أنشأ محمد علي باشا أيضا مصنعا لتبييض المنسوجات التي كانت تصنع في معامل النسيج المصرية بنفس المنطقة قريبا من قصره ولا يزال هذا المكان يعرف باسم المبيضة بمنطقة روض الفرج حاليا أما الجزء الواقع خلف السراي أو المدرسة فعرف بإسم منطقة طوسون وقد إزداد العمران بعد ذلك في منطقة شبرا بعد أن تم مد خط الترام إليها ليسير في شارع شبرا عام 1902م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وليصل الى منطقة روض الفرج وساحل روض الفرج عام 1903م فشجع هذا الأثرياء وكبار الموظفين والتجار علي تشييد قصور فخمة وبساتين زاهرة على جانبي شارع شبرا كما أقيمت به المقاهي والنوادي التي كان يقصدها أهل القاهرة للتنزه والترفيه ومما لا شك فيه كان وصول الترام إلى شبرا من أهم عوامل تحول منطقة شبرا الى النشاط السكنى بعد أن كانت منتجعا ومتنزها للأثرياء ووجد فيها أهالي القاهرة بديلا عن قلب المدينة المزدحمة والمكتظة بالسكان فتحولت جميع البساتين والأراضي الزراعية الواقعة على جانبي شارع شبرا الى أراضي للبناء أقيمت عليها العمارات الشاهقة وشهدت الفترة التالية للحرب العالمية الثانية بعد عام 1945م زحفا عمرانيا كبيرا إلى هذا الحي فلم تترك فيه أرض فضاء إلا إستغلت للبناء فإزداد العمران في المنطقة حتى إتصلت منطقة شبرا بقرية شبرا الخيمة التي تقع شمالها والتي كثر فيها إنشاء المصانع والمعامل والمخازن تمشيا مع تقدم الصناعة في مصر وإستتبع وجود هذا الحي الناشئ إقامة معاهد العلم والمساجد والكنائس والمستشفيات ومراكز رعاية الطفولة والأمومة وإنتشرت في شوارعها المحال التجارية العامرة بكل مايحتاج إليه السكان وإحتل ساحل روض الفرج مكانة خاصة للترفيه حيث أنشئت به الملاهي والمسارح قبل أن تنتقل الحركة الفنية إلى شارع عماد الدين بوسط القاهرة وكان لحي شبرا حظ وافر بعد ثورة يوليو عام 1952م حيث دخلت ضمن خطة كبرى لتطوير القاهرة على يد عبداللطيف البغدادي وزير الشئون البلدية والقروية حينذاك حيث قام بتوسعة شارع شبرا إلى 40 مترا وتم نقل الترام إلى وسط الشارع كما تم مد شارع الترعة البولاقية ليصل إلى عمق شبرا بعد ردم الجزء المتبقي من تلك الترعة كما أنشأ محطة نهائية لوقوف أتوبيسات الوجه البحري القادمة الى القاهرة بالمنطقة …..
ويحد حي شبرا من الجنوب نفق أول شبرا وموقف أحمد حلمي ومن الشرق شارع أحمد حلمي ويفصله عن منطقة الشرابية خط السكة الحديد ومن الشمال حي الساحل أما من الغرب فيحده حي روض الفرج ومن أهم معالم حي شبرا مدرسة التوفيقية الثانوية للبنين وقد تخرج في هذه المدرسة عدد كبير من رواد مصر أمثال الشاعر إبراهيم ناجي والدكتور نجيب محفوظ باشا راند طب النساء في مصر والذي سمى بإسم الأديب نجيب محفوظ والدكتورعلي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق ونادي الصحافة وكذلك كنيسة ماري مرقص بمنية السيرج وتطل على شارع شبرا وهي أكبر كنائس شبرا وهي للأقباط الأرثوذوكس وكنيسة سانت تريزا للكاثوليك وقد أطلق إسم الكنيسة على ثالث محطات الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة الكبرى المتجه إلى شبرا بعد محطة الشهداء أو رمسيس وقصر محمد علي باشا ومسجد الخازندار والذى تقدر مساحته بـحوالي 600 متر مربع وقامت ببنائه الأميرة خديجة هانم إبنة محمد راغب أغا فى عهد الملك فؤاد الأول عام 1927م ويتميز بقبته الحجرية الضخمة التي تقف إلي جوارها مئذنة حجرية شامخة لها 3 حطات تفصل بينها شرفتان مقرنصتان بمقرنصات بديعة المنظر ويعلوها رأس بصلية الشكل محمولة علي شرفة مقرنصة أيضا تحملها 8 أعمدة دائرية بديعة المنظر أيضا وداخل المسجد يوجد عدد 16 عمود رخامي لها قواعد رخامية منحوتة ولها تيجان وقد تم إستجلاب تلك الأعمدة من إيطاليا خصيصاً لبناء المسجد ومن معالم حي شبرا أيضا مطعم المدينة بشارع جسر البحر ومعهد الساليزيان وهو معهد ثانوي صناعي نظام الثلاث سنوات والخمس سنوات تأسس عام 1926م وبه أقسام ميكانيكا وخراطة وكهرباء وميكانيكا سيارات كما يوجد قسم للدراسات الحرة كهرباء تركيبات وتحكم آلي وميكانيكا سيارات وخراطة ميكانيكية ولف محركات كهربائية وصيانة غسالات فول أوتوماتيك وكمبيوتر ورسم فني وأوتوكاد وتبريد وتكييف ولحام بالكهرباء ولحام بالأوكسجين ولحام ضغط عالي أنابيب بترول ومعروف عن هذا المعهد أنه منذ إنشائه يتبع الأساليب التربوية السليمة في تربية وتعليم الشباب حتى يكون هناك إنسجام وتعاون بين المعهد والبيت في بناء شباب المستقبل على أسس تربوية سليمة ومن معالم حي شبرا أيضا مستشفى معهد ناصر ومستشفى الساحل التعليمى وكلية الهندسة بشبرا التابعة لجامعة بنها والمسلة المصنوعه قي وسط ميدان روض الفرج ومستشفى الرمد ومسجد سيد المرسلين ومسجد التوحيد وقصر طوسون باشا وقصر الأشراف الذى تحول حاليا إلى مدرسة الأشراف الإبتدائية ومدرسة الراعي الصالح والتي تعد من أقدم وأهم المدارس بشارع شبرا ويرجع إنشاء المدرسة الى أكثر من 100 عام وملحق بها كنيسة ومستشفى وقد أقيم مؤخرا سوق تجاري ضخم بجانبها أطلق عليه إسم سوق الراعي الصالح أيضا ويشبه الى حد كبير سوق وكالة البلح الشهير المتواجد بمنطقة بولاق بالقاهرة ويصل السوق إلى شارع شبرا من جهة وشارع الترعة البولاقية من الجهة الاخرى من خلال ممر تجاري ضيق يضم داخله مئات من المحلات الصغيرة …..
وجدير بالذكر أن شارع الترعة البولاقية بشبرا يشتهر بوجود عدد كبير من محلات قطع غيار وأكسسوارات السيارات وفي هذا الشارع يوجد ميدان فيكتوريا أحدث وأشهر ميادين شبرا وتتفرع منه شوارع أخرى شهيرة مثل شارع العطار وشارع العسال وشارع شيكولاني وشارع المحمودي وبشارع الترعة البولاقية سينما قديمة إسمها سينما شبرا بالاس وهي من سينمات الدرجة الثانية وتشتهر بتقديم الأفلام الهندية فقط وإذا كان شارع شبرا هو أقدم شوارع الحي وتعدى عمره الآن 200 عام فإن هناك منطقة أخرى بشبرا تسمي جزيرة بدران تعد من أقدم المناطق بحي شبرا وكانت تتميز بوجود القصور والفيلات منذ زمن بعيد ولكن أغلبها هدم ليحل محله عمارات وأبراج وتعتبر منطقة جزيرة بدران هي حدود شبرا مع حي بولاق العريق من ناحية مزلقان النجيلي لقطارات السكك الحديدية المطل على شارع السبتية ويفصل هذا المزلقان وقضبان القطار المتجه جنوبا إلى الصعيد مابين حي بولاق وحي شبرا ويمتد عمق جزيرة بدران حتى أول شبرا من ناحية ميدان أحمد حلمي ويعد شارع إبن الرشيد هو الشارع الرئيسي بجزيرة بدران كما تعد مدرسة رقي المعارف أقدم المدارس هناك وبالإضافة إلي ذلك فقد إستجد بحي شبرا منطقة تسمي الخلفاوي يتوسطها ميدان معروف بنفس الإسم وهي تعد من أحدث المناطق في حي شبرا وكذلك من المناطق المستجدة أرض أغاخان وهاتان المنطقتان من المناطق الراقية التي تسكنها الطبقة البرجوازية والأرستقراطية وتتجاور منطقة الخلفاوي مع كل من منطقة الشيخ رمضان وفيكتوريا وتربطها بهما شوارع شهيرة مثل شارع عبدالحميد الديب وشارع محمد الخلفاوي أما منطقة أغاخان فتطل على النيل من ناحية منطقة المظلات …..
ويعتبر حي شبرا من أهم الأحياء التاريخية العريقة بالقاهرة.وقد نشأ به عدد كبير من المشاهير بمصر منهم الدكتور نجيب محفوظ باشا رائد طب النساء في مصر والدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق والشاعر الكبير إبراهيم ناجي كما أسلفنا القول والفنان والشاعر الراحل صلاح جاهين ومنهم أيضا المطربة المصرية الفرنسية العالمية الراحلة داليدا والفنانات سعاد حسني وماري منيب وسعاد نصر والشقيقتان بوسي ونورا ونبيلة عبيد وداليا مصطفي وزينة ونشوى مصطفى وشيرين وسيمون وحنان شوقي ونهلة سلامة والفنانون يوسف شعبان وسراج منير وعلي الكسار ووائل نور ونجيب الريحانى ومحمد نجاتي وماجد الكدواني وسامي العدل وأحمد عبد الوارث وأحمد ماهر وتوفيق عبد الحميد والمخرجان الكبيران فطين عبد الوهاب وخيري بشارة والملحن الكبير بليغ حمدى والمطربون محرم فؤاد ومدحت صالح وهشام عباس وسعد الصغير ومحمد محيي ولاعبا الكرة طاهر أبو زيد ومصطفى يونس والصحفي وائل لطفي والكاتب الساخر جورج صبري …..